النصوص المقدّسة
حزقيال ١


كِتَابُ حِزْقِيَالَ

انتظم حزقيال في سلك الكهنوت وكان أحد الذين سبوا إلى بابل مع بقية اليهود الذين أجلوا عن المدينة المجيدة في سنة ٥٩٧ ق. م، وهناك اختاره اللّٰه ليكون له نبياً. أوحى إليه الروح القدس بهذه الرسالة لتكون تحذيراً من الدينونة القادمة على البقية الباقية في أورشليم. بيد أن إنذاراته لم تلق أذناً صاغية من اليهود المأسورين معه؛ وعندما تحققت نبوءاته المحزنة بدمار أُورشليم في عام ٥٨٦ ق. م. أقبل عليه الناس ليستمعوا إلى أقواله بلهفة وصدق. في هذه الفترة طرأ نغم جديد على رسالته فتحولت من رسالة تنادي بحلول دينونة اللّٰه وقضائه إلى رسالة مفعمة بالتعزية والرجاء. لقد وقع الأسوأ وحان الوقت لرسم الخطط تأهباً لبداية جديدة. رأى حزقيال نفسه كراع ورقيب على بني إسرائيل. كان عليه كراع أن يحافظ على شعبه، وكرقيب أن يحذرهم من الخطر المداهم.

إن رسالة حزقيال قائمة على أساس قداسة اللّٰه غير المتحولة. وهي تشتمل على وعد وتحذير في آن واحد. هي تحذير لأن اللّٰه قد وعد بمعاقبة الخطيئة وهذا لابد أن يتم. وهي وعد لأن اللّٰه قد وعد أن يظل وفياً أميناً لمحبيه وهذا لا يمكن أن ينقض؛ فكتاب حزقيال يظهر تحقق كلام اللّٰه الثابت في الوعد والوعيد: لقد تم خراب أورشليم حسب وعيد اللّٰه عقاباً لخطيئة أَهل يهوذا. من هذا يظهر أن نوعية الحياة التي يعيشها شعب اللّٰه تقرر طريقة معاملة اللّٰه لهم.

الفصل ١

الكائنات الأربعة ومجد الرب

١ وَحَدَثَ فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ مِنَ الشَّهْرِ الرَّابِعِ الْعِبْرِيِّ، فِي السَّنَةِ الثَّلاثِينَ، فِيمَا كُنْتُ بَيْنَ الْمَسْبِيِّينَ بِجُوَارِ نَهْرِ خَابُورَ، أَنِ انْفَتَحَتِ السَّمَاوَاتُ فَشَاهَدْتُ رُؤَى مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ.

٢ فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ مِنَ الشَّهْرِ، فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ لِسَبْيِ الْمَلِكِ يُويَاكِينَ،

٣ أَوْحَى الرَّبُّ إِلَى حِزْقِيَالَ الْكَاهِنِ ابْنِ بُوزِي عِنْدَ جُوَارِ نَهْرِ خَابُورَ، فِي دِيَارِ الْكَلْدَانِيِّينَ، إِذْ كَانَتْ عَلَيَّ يَدُ الرَّبِّ،

٤ فَأَبْصَرْتُ رِيحاً عَاصِفَةً تَهُبُّ مِنَ الشِّمَالِ مَصْحُوبَةً بِسَحَابَةٍ هَائِلَةٍ، وَنَارٍ مُتَوَاصِلَةٍ مُتَوَهِّجَةٍ بِهَالَةٍ مُحِيطَةٍ مِنَ الضِّيَاءِ؛ وَمِنْ وَسَطِهَا يَتَأَلَّقُ مِثْلُ النُّحَاسِ اللّامِعِ الْبَارِقِ مِنْ وَسَطِ النَّارِ.

٥ وَمِنْ دَاخِلِهَا بَدَا شِبْهُ أَرْبَعَةِ كَائِنَاتٍ حَيَّةٍ تُمَاثِلُ فِي صُوَرِهَا شِبْهَ إِنْسَانٍ،

٦ وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ وَأَرْبَعَةُ أَجْنِحَةٍ.

٧ وَكَانَتْ سِيقَانُهَا مُسْتَقِيمَةً، وَأَقْدَامُهَا مُشَابِهَةً لأَقْدَامِ الْعِجْلِ، وَهِيَ تُبْرِقُ كَبَرِيقِ النُّحَاسِ الْمَصْقُولِ.

٨ وَتَحْتَ أَجْنِحَتِهَا الْقَائِمَةِ عَلَى جَوَانِبِهَا الأَرْبَعَةِ، أَيْدِي بَشَرٍ، وَكَانَ لِكُلِّ كَائِنٍ مِنْ هَذِهِ الْكَائِنَاتِ الأَرْبَعَةِ أَجْنِحَةٌ وَأَوْجُهٌ.

٩ وَكَانَتْ أَجْنِحَتُهَا تَتَلامَسُ، وَأَوْجُهُهَا لَا تَدُورُ عِنْدَ سَيْرِهَا، بَلْ يَسِيرُ كُلٌّ مِنْهَا وَوَجْهُهُ مُتَّجِهٌ إِلَى الأَمَامِ.

١٠ أَمَّا أَشْكَالُ أَوْجُهِهَا، فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَجْهُ إِنْسَانٍ، يُحَاذِيهِ إِلَى الْيَمِينِ وَجْهُ أَسَدٍ، وَإِلَى الشِّمَالِ وَجْهُ ثَوْرٍ، ثُمَّ إِلَى جُوَارِهِ وَجْهُ نَسْرٍ.

١١ كَانَتْ هَذِهِ أَشْكَالَ أَوْجُهِهَا. وَكَانَ لِكُلٍّ مِنْهَا أَرْبعَةُ أَجْنِحَةٍ تَمْتَدُّ مِنْ وَسَطِ الظَّهْرِ: اثْنَانِ يَتَّصِلُ طَرَفُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِطَرَفِ جَنَاحِ الْكَائِنِ الآخَرِ، وَاثْنَانِ يَسْتُرَانِ أَجْسَامَهُمَا.

١٢ وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَتَّجِهُ إِلَى الأَمَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدُورَ، فَحَيْثُمَا يَتَوَجَّهُ الرُّوحُ يَتَوَجَّهُونَ هُمْ أَيْضاً.

١٣ أَمَّا مَنْظَرُ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ هَذِهِ فَكَانَ كَجَمَرَاتِ نَارٍ مُتَّقِدَةٍ، أَوْ مَشَاعِلَ تَجُوزُ جِيئَةً وَذَهَاباً بَيْنَ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ. وَكَانَتِ النَّارُ مُضِيئَةً يَلْمَعُ مِنْهَا وَمِيضُ بَرْقٍ.

١٤ وَالْكَائِنَاتُ الْحَيَّةُ تَتَرَاكَضُ ذِهَاباً وَإِيَاباً فِي سُرْعَةِ لَمْحِ الْبَرْقِ.

١٥ وَفِيمَا كُنْتُ أَتَأَمَّلُ فِي الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ، إِذَا بِي أُشَاهِدُ أَرْبَعَ عَجَلاتٍ، عَجَلَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ.

١٦ أَمَّا شَكْلُ الْعَجَلاتِ وَصَنْعَتُهَا فَكَانَ كَمِثْلِ الزَّبَرْجَدِ، وَهِيَ مُتَشَابِهَةُ الصُّورَةِ. وَكَانَ مَنْظَرُهَا وَصَنْعَتُهَا كَأَنَّهَا عَجَلَةٌ دَاخِلَ عَجَلَةٍ.

١٧ وَإذَا سَارَتْ فَإِنَّهَا تَسِيرُ فِي أَيٍّ مِنَ الاتِّجَاهَاتِ الأَرْبَعَةِ إِلَى الأَمَامِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ تَتَحَوَّلَ عَنِ اتِّجَاهِهَا.

١٨ أَمَّا أُطُرُهَا فَعَالِيَةٌ وَهَائِلَةٌ، وَجَمِيعُهَا مَلأَى بِالْعُيُونِ.

١٩ وَكُلَّمَا تَتَحَرَّكُ الْكَائِنَاتُ الْحَيَّةُ، تَتَحَرَّكُ مَعَهَا الْعَجَلاتُ، وَكُلَّمَا تَرْتَفِعُ عَنِ الأَرْضِ تَرْتَفِعُ مَعَهَا الْعَجَلاتُ أَيْضاً.

٢٠ وَحَيْثُمَا يَتَوَجَّهُ الرُّوحُ تَتَوَجَّهُ أَيْضاً، وَتَرْتَفِعُ مَعَهَا عَجَلاتُهَا، لأَنَّ رُوحَ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ سَارٍ أَيْضاً فِي الْعَجَلاتِ.

٢١ فَإِنْ سَارَتْ هَذِهِ تَسِيرُ تِلْكَ، وَإِنْ تَوَقَّفَتْ تَتَوَقَّفُ، لأَنَّ رُوحَ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ سَارٍ فِي الْعَجَلاتِ أَيْضاً.

٢٢ وَانْبَسَطَ فَوْقَ رُؤُوسِ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ جَلَدٌ يُشْبِهُ الْبِلَّوْرَ الْمُتَلألِئَ الْهَائِلَ.

٢٣ وَامْتَدَّتْ أَجْنِحَتُهَا تَحْتَ الْجَلَدِ بِاسْتِقَامَةٍ، الْوَاحِدُ نَحْوَ الآخَرِ. لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا جَنَاحَانِ يَسْتُرَانِ جِسْمَهُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ.

٢٤ وَعِنْدَمَا سَارَتْ سَمِعْتُ رَفْرَفَةَ أَجْنِحَتِهَا كَهَدِيرِ مِيَاهٍ غَزِيرَةٍ، كَصَوْتِ الْقَدِيرِ، كَصَوْتِ جَلَبَةِ جَيْشٍ، وَعِنْدَ تَوَقُّفِهَا كَانَتْ تُرْخِي أَجْنِحَتَهَا.

٢٥ وَصَدَرَ صَوْتٌ مِنْ فَوْقِ الْجَلَدِ الْمُنْبَسِطِ عَلَى رُؤُوسِهَا. وَحِينَ تَتَوَقَّفُ كَانَتْ تُرْخِي أَجْنِحَتَهَا.

٢٦ وَانْتَصَبَ فَوْقَ الْجَلَدِ الْمُنْبَسِطِ عَلَى رُؤُوسِهَا شِبْهُ عَرْشٍ، مَنْظَرُهُ كَحَجَرِ اللازَوَرْدِ. وَيَجْلِسُ عَلَى شِبْهِ العَرْشِ مِنْ فَوْقُ مَنْ هُوَ كَشِبْهِ إِنْسَانٍ.

٢٧ وَرَأَيْتُ مَا يَبْدُو مِنْ حَقْوَيْهِ فَمَا فَوْقُ وَكَأَنَّهُ نُحَاسٌ لامِعٌ يَتَوَهَّجُ فِي دَاخِلِهِ وَحَوَالَيْهِ. أَمَّا مَا يَبْدُو مِنْ حَقْوَيْهِ وَمَا تَحْتُ، فَكَأَنَّهُ نَارٌ، وَحَوَالَيْهَا يَشِعُّ بِالضِّيَاءِ.

٢٨ وَكَانَ مَنْظَرُ اللَّمَعَانِ الْمُحِيطِ بِهِ كَمَنْظَرِ قَوْسِ قُزَحٍ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ؛ هَكَذَا كَانَ مَنْظَرُ شِبْهِ مَجْدِ الرَّبِّ. وَعِنْدَمَا أَبْصَرْتُ خَرَرْتُ عَلَى وَجْهِي وَسَمِعْتُ صَوْتاً يَتَكَلَّمُ.