النصوص المقدّسة
القضاة ١


كِتَابُ الْقُضَاةِ

على أثر دخول بني إسرائيل إلى أرض كنعان، وبعد وفاة يشوع بن نون خليفة موسى، تولى قيادة الشعب طائفة من الرجال دعوا بالقضاة أو المخَلِّصين. كانت مهمتهم الأساس مهمة عسكرية تتلخص في الدفاع عن البلاد ضد هجوم الأعداء وطردهم من تخومهم وتحرير الشعب من سيطرتهم كلما تمكنوا من إخضاع الإسرائيليين وإذلالهم. وفي غضون هذه الحقبة التاريخية من حياة بني إسرائيل تعرضت البلاد إلى دورات متتالية من المآسي من جراء الغزوات الأجنبية، فكان الشعب الإسرائيلي يستغيث باللّٰه لينقذهم من قبضة أعدائهم، فيصطفي اللّٰه قاضياً، ليخلصهم. وقد تكررت هذه الدورات مرات عديدة في سياق هذا الكتاب. ومن المؤسف حقاً أن الشعب، على الرغم مما تعرض له من ويلات وعقاب، لم يدرك أن التمرد على اللّٰه يفضي حتماً إلى مأساة.

إن الدرس المؤلم الذي يلقنه هذا السفر هو: ”إن أجرة الخطيئة هي موت“ (الرسالة إلى مؤمني روما ٦‏:٣‏). وتتخذ الخطيئة أشكالاً متعددة، وترتدي أثواباً مختلفة، بعضها براق كخطايا الملوك المصقولة وبعضها الآخر يتسم بالوحشية والعنف كالخطايا التي دونت في نهاية فصول الكتاب، غير أن النتيجة واحدة. فعندما يتصرف كل فرد على هواه يسود الدمار والفوضى (القضاة ٢١‏:٢٥). إلا أن اللّٰه بفضل أمانته، ينقذ المؤمنين به عندما يرجعون إليه تائبين توبة صادقة.

الفصل ١

إسرائيل تحارب باقي الكنعانيين

١ بَعْدَ مَوْتِ يَشُوعَ سَأَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الرَّبَّ: ”مَنْ مِنَّا يَذْهَبُ أَوَّلاً لِمُحَارَبَةِ الْكَنْعَانِيِّينَ؟“

٢ فَأَجَابَ الرَّبُّ: ”يَهُوذَا يَذْهَبُ، فَقَدْ أَسْلَمْتُ الْأَرْضَ إِلَى يَدِهِ“.

٣ فَقَالَ رِجَالُ يَهُوذَا لإِخْوَتِهِمْ رِجَالِ شِمْعُونَ: ”اخْرُجُوا مَعَنَا إِلَى الْمِنْطَقَةِ الَّتِي صَارَتْ قُرْعَةً لَنَا لِنُحَارِبَ الْكَنْعَانِيِّينَ مَعاً، ثُمَّ نَخْرُجُ نَحْنُ مَعَكُمْ فِي حَرْبِكُمْ لِتَسْتَوْلُوا عَلَى قُرْعَتِكُمْ“. فَذَهَبَ رِجَالُ شِمْعُونَ مَعَهُمْ.

٤ فَانْطَلَقَ رِجَالُ يَهُوذَا لِخَوْضِ الْحَرْبِ، فَأَظْفَرَهُمُ الرَّبُّ بِالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ فِي بَازَقَ عَشْرَةَ آلافِ رَجُلٍ.

٥ وَالْتَقَوْا بِمَلِكِهِمْ أَدُونِي بَازَقَ عِنْدَ بَازَقَ، فَحَارَبُوهُ وَقَهَرُوا الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ.

٦ فَهَرَبَ أَدُونِي بَازَقَ، غَيْرَ أَنَّهُمْ تَعَقَّبُوهُ وَقَبَضُوا عَلَيْهِ وَقَطَعُوا أَبَاهِمَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ.

٧ فَقَالَ أَدُونِي بَازَقَ: ”لَقَدْ قَطَعْتُ أَبَاهِمَ أَيْدِي وَأَرْجُلِ سَبْعِينَ مَلِكاً كَانُوا يَلْتَقِطُونَ الْفُتَاتَ تَحْتَ مَائِدَتِي، فَهَا الرَّبُّ قَدْ جَازَانِي بِمِثْلِ مَا فَعَلْتُ“. وَأَتَوْا بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ حَيْثُ مَاتَ.

٨ وَكَانَ أَبْنَاءُ يَهُوذَا قَدْ هَاجَمُوا أُورُشَلِيمَ وَاسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا، وَقَتَلُوا أَهْلَهَا بِحَدِّ السَّيْفِ وَأَحْرَقُوهَا بِالنَّارِ.

٩ ثُمَّ انْحَدَرُوا لِمُحَارَبَةِ الْكَنْعَانِيِّينَ فِي الْمَنَاطِقِ الْجَبَلِيَّةِ وَالنَّقَبِ وَالسُّهُولِ الْغَرْبِيَّةِ.

١٠ فَهَاجَمُوا الْكَنَعَانِيِّينَ الْمُقِيمِينَ فِي حَبْرُونَ الَّتِي كَانَتْ تُدْعَى قَبْلاً قَرْيَةَ أَرْبَعَ، وَقَضَوْا عَلَى شِيشَايَ وَأَخِيمَانَ وَتَلْمَايَ.

١١ وَتَوَجَّهُوا مِنْ هُنَاكَ وَانْقَضُّوا عَلَى أَهْلِ دَبِيرَ الَّتِي كَانَتْ تُدْعَى قَبْلاً قَرْيَةَ سَفَرٍ.

١٢ فَقَالَ كَالَبُ: ”الَّذِي يَقْهَرُ قَرْيَةَ سَفَرٍ وَيَسْتَوْلِي عَلَيْهَا، أُزَوِّجُهُ ابْنَتِي عَكْسَةَ“.

١٣ فَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا عُثْنِيئِيلُ بْنُ قَنَازَ، أَخُو كَالَبَ الأَصْغَرُ مِنْهُ، فَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ عَكْسَةَ.

١٤ وَعِنْدَمَا زُفَّتْ إِلَيْهِ حَثَّهَا عَلَى طَلَبِ حَقْلٍ مِنْ أَبِيهَا، فَتَرَجَّلَتْ عَنِ الْحِمَارِ، فَسَأَلَهَا كَالَبُ: ”مَالَكِ؟“

١٥ فَقَالَتْ لَهُ: ”أَنْعِمْ عَلَيَّ بِهِبَةٍ، فَأَنْتَ قَدْ أَعْطَيْتَنِي أَرْضاً فِي النَّقَبِ، فَأَعْطِنِي أَيْضاً يَنَابِيعَ مَاءٍ“. فَوَهَبَهَا كَالَبُ الْيَنَابِيعَ الْعُلْيَا وَالْيَنَابِيعَ السُّفْلَى.

١٦ وَغَادَرَ أَبْنَاءُ الْقَيْنِيِّ حَمِي مُوسَى مَدِينَةَ النَّخْلِ (أَرِيحَا) وَذَهَبُوا مَعَ سِبْطِ يَهُوذَا إِلَى بَرِّيَّةِ يَهُوذَا الْوَاقِعَةِ فِي جَنُوبِيِّ عَرَادَ، وَسَكَنُوا مَعَ الشَّعْبِ.

١٧ وَانْضَمَّ جَيْشُ يَهُوذَا إِلَى جَيْشِ شِمْعُونَ، وَحَارَبُوا الْكَنْعَانِيِّينَ أَهْلَ صَفَاةَ وَدَمَّرُوهَا وَدَعَوْا اسْمَ الْمَدِينَةِ حُرْمَةَ (بِمَعْنَى خَرَابٍ).

١٨ وَاسْتَوْلَى رِجَالُ يَهُوذَا عَلَى غَزَّةَ وَتُخُومِهَا وَأَشْقَلُونَ وَتُخْومِهَا وَعَقْرُونَ وَتُخُومِهَا.

١٩ وَكَانَ الرَّبُّ مَعَ أَبْنَاءِ يَهُوذَا فَتَمَلَّكُوا الْجَبَلَ، وَلَكِنَّهُمْ أَخْفَقُوا فِي طَرْدِ سُكَّانِ الْوَادِي لأَنَّهُمْ كَانُوا يَمْلِكُونَ مَرْكَبَاتٍ حَدِيدِيَّةً.

٢٠ وَأَعْطَوْا حَبْرُونَ لِكَالَبَ كَمَا أَوْصَى مُوسَى، فَطَرَدَ مِنْهَا بَنِي عَنَاقَ الثَّلاثَةَ.

٢١ وَأَخْفَقَ أَبْنَاءُ بِنْيَامِينَ فِي طَرْدِ الْيَبُوسِيِّينَ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ، فَظَلَّ الْيَبُوسِيُّونَ يُقِيمُونَ بَيْنَ ذُرِّيَّةِ بِنْيَامِينَ فِي أُورُشَلِيمَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ.

٢٢ وَهَاجَمَ أَبْنَاءُ سِبْطِ يُوسُفَ بَيْتَ إِيلَ، فَكَانَ الرَّبُّ مَعَهُمْ (وَنَصَرَهُمْ).

٢٣ وَبَيْنَمَا كَانَ فَرِيقُ الاسْتِكْشَافِ يُرَاقِبُ بَيْتَ إِيلَ، الَّتِي كَانَتْ تُدْعَى قَبْلاً لُوزَ،

٢٤ شَاهَدُوا رَجُلاً خَارِجاً مِنَ الْمَدِينَةِ وَقَالُوا لَهُ: ”أَرْشِدْنَا إِلَى مَدْخَلِ الْمَدِينَةِ فَنَصْنَعَ مَعَكَ مَعْرُوفاً“.

٢٥ فَأَرْشَدَهُمْ إِلَى مَدْخَلِ الْمَدِينَةِ، فَاقْتَحَمُوهَا وَقَضَوْا عَلَى أَهْلِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ، أَمَّا الرَّجُلُ وَسَائِرُ عَشِيرَتِهِ فَأَطْلَقُوهُمْ.

٢٦ فَمَضَى الرَّجُلُ إِلَى دِيَارِ الْحِثِّيِّينَ وَبَنَى مَدِينَةً دَعَاهَا لُوزَ، وَهَذَا هُوَ اسْمُهَا حَتَّى الْآنَ.

٢٧ وَأَخْفَقَ أَبْنَاءُ سِبْطِ مَنَسَّى فِي طَرْدِ أَهْلِ بَيْتِ شَانَ وَقُرَاهَا، وَأَهْلِ تَعْنَكَ وَقُرَاهَا، وَسُكَّانِ دُورٍ وَقُرَاهَا، وَسُكَّانِ يِبْلَعَامَ وَقُرَاهَا، وَسُكَّانِ مَجِدُّو وَقُرَاهَا. فَاسْتَمَرَّ الْكَنْعَانِيُّونَ يَسْكُنُونَ فِيهَا.

٢٨ وَلَمَّا قَوِيَتْ شَوْكَةُ الإِسْرَائِيلِيِّينَ وَضَعُوا الْكَنْعَانِيِّينَ تَحْتَ الْجِزْيَةِ، وَلَمْ يَطْرُدُوهُمْ قَطُّ.

٢٩ وَكَذَلِكَ فَشَلَ سِبْطُ أَفْرَايِمَ فِي طَرْدِ الْكَنْعَانِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي جَازَرَ، فَسَكَنَ الْكَنْعَانِيُّونَ مَعَهُمْ.

٣٠ وَلَمْ يَطْرُدْ أَبْنَاءُ زَبُولُونَ الْكَنْعَانِيِّينَ الْمُسْتَوْطِنِينَ فِي قِطْرُونَ وَنَهْلُولَ، فَأَقَامَ الْكَنْعَانِيُّونَ بَيْنَهُمْ، وَفَرَضُوا عَلَيْهِمِ الْجِزْيَةَ.

٣١ وَأَيْضاً لَمْ يَطْرُدْ أَبْنَاءُ سِبْطِ أَشِيرَ سُكَّانَ عَكُّو وَلا سُكَّانَ صِيدُونَ وَأَحْلَبَ وَأَكْزِيبَ وَحَلْبَةَ وَأَفِيقَ وَرَحُوبَ.

٣٢ فَسَكَنَ الأَشِيرِيُّونَ فِي وَسَطِ الْكَنْعَانِيِّينَ أَهْلِ الأَرْضِ لأَنَّهُمْ لَمْ يَطْرُدُوهُمْ.

٣٣ وَلَمْ يَطْرُدْ أَبْنَاءُ سِبْطِ نَفْتَالِي سُكَّانَ بَيْتِ شَمْسٍ وَبَيْتِ عَنَاةَ بَلْ أَقَامُوا فِي وَسَطِ الْكَنْعَانِيِّينَ أَهْلِ الأَرْضِ، وَفَرَضُوا عَلَيْهِمِ الْجِزْيَةَ.

٣٤ وَحَصَرَ الأَمُورِيُّونَ أَبْنَاءَ دَانٍ فِي الْجَبَلِ وَلَمْ يَسْمَحُوا لَهُمْ بِالنُّزُولِ إِلَى الْوَادِي.

٣٥ وَعَزَمَ الأَمُورِيُّونَ عَلَى الإِقَامَةِ فِي جَبَلِ حَارَسَ وَفِي أَيَّلُونَ وَفِي شَعَلُبِّيمَ. وَلَكِنْ عِنْدَمَا قَوِيَتْ شَوْكَةُ سِبْطِ يُوسُفَ فَرَضُوا عَلَيْهِمِ الْجِزْيَةَ.

٣٦ وَكَانَتْ حُدُودُ الأَمُورِيِّينَ تَمْتَدُّ مِنْ عَقَبَةِ عَقْرَبِّيمَ مِنْ سَالَعَ إِلَى مَا وَرَاءَهَا.