٢٠١٠–٢٠١٩
التغلب على العالم
نيسان/ ابريل 2017


التغلب على العالم

التغلب على العالم ليس من اللحظات الحاسمة في الحياة، بل حياة من اللحظات التي تحسم الأبدية.

قبل عدة سنوات تكلم الرئيس ديفيد  مكاي عن تجربة جميلة مر بها أثناء إبحاره في قارب متجه إلى ساموا. بعد أن غط في سبات رأى ”في رؤيا شيئا ذا جلال سرمدي. “قال، ”في الأفق، رأيت مدينة بيضاء جميلة. ... الأشجار محملة بثمار شهية ... وأزهار متفتحة في كل مكان. ... كانت جماعة كبيرة من الناس تتوجه نحو المدينة. كل منهم كان يرتدي ثوبا أبيضا فضفاضا. ... فورا استقطب قائدهم انتباهي، واعتقدت أن بإمكاني رؤية جانب من وجهه  ... ، تعرفت عليه فورا، إنه مخلصي! كان... شعاع محياه بهيا. ...وكان السلام المحيط به ... سماويا! “

واصل الرئيس مكاي، ”المدينة ... كانت ... مدينته الأبدية؛ وأتباعه كانوا سيسكنون هناك في سلام وسعادة أبدية. “

تساءل الرئيس مكاي، ”[من هؤلاء؟ من هم هؤلاء الناس؟]“

ثم أوضح ما حدث بعد ذلك:

”وكأن المخلص قرأ أفكاري، أجاب بالإشارة إلى [كلمات على شكل] نصف دائري ... ظهرت فوق [الأشخاص]، ... مكتوبة بالذهب   ... :

”هؤلاء هم من غلبوا العالم—

”هؤلاء هم من وُلدوا ثانية!“1

لعقود تذكرت الكلمات: ”هؤلاء هم من غلبوا العالم. “

مبهرة هي البركات التي وعد بها الرب من يغلبون العالم. ”[يلبسون] ثيابا بيض ... و[يُذكرون] في سفر الحياة. “ والرب ”يعترف [باسمهم] أمام الآب والملائكة.“2 وكل منهم ”يشترك في القيامة الأولى،“3 ويتلقى الحياة الأبدية 4 و ”لا يغادرون بعد ذلك“5 محضر الله.

هل من الممكن الانتصار على العالم والحصول على هذه البركات؟ نعم، بالتأكيد.

محبة المخلص

من يغلبون العالم تغمرهم محبة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح.

ميلاده الإلهي، حياته الكاملة، كفارته اللامتناهية في جسيماني والجلجثة، ضمنت قيامة كل منا. ومن خلال توبتنا المخلصة، فإنه لوحده يمكنه أن ينقينا من الخطية مما يسمح بالعودة إلى محضر الله. ”نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولا.“6

قال يسوع،” قد كلَّمتُكُمْ بهذا ليكونَ لكُمْ فيَّ سلامٌ. في العالَمِ سيكونُ لكُمْ ضيقٌ، ولكن ثِقوا: أنا قد غَلَبتُ العالَمَ.“7

ثم أضاف لاحقا، ”إن إرادتي هي أن تغلبوا العالم.“8

التغلب على العالم ليس من اللحظات الحاسمة في الحياة، بل حياة بأكملها من اللحظات التي تحسم الأبدية.

يمكن أن يبدأ ذلك عندما يتعلم الطفل الصلاة وأن يغني بخشوع، ”أحاول أن أكون كيسوع “9 ويتواصل عندما يدرس شخص حياة المخلص في كتاب العهد الجديد ويتفكر بقوة كفارة المخلص في كتاب مورمون.

الصلاة والتوبة واتباع المخلص وتلقي نعمته يقودنا لأن نفهم بشكل أفضل سبب وجودنا هنا وما يجب أن نكون عليه.

وصف ألما ذلك كما يلي: ”فطرأ على قلوبهم أيضا تغيير عظيم واتضعوا وجعلوا اعتمادهم على الإله الحقيقي الحي ... وكانوا أمناء إلى المنتهى.“10

من يغلبون العالم يعرفون أنهم سيكونون مسئولين أمام أبيهم السماوي. التغيير والتوبة الصادقة عن الخطايا يتحولان من عوائق إلى وسائل تحرير حيث ”تصبح الخطايا القرمزية بيضاء كالثلج “11

المساءلة أمام الله

الذين من العالم، لديهم صعوبة مع المساءلة أمام الله - مثل ولد يصنع حفلة في منزل والديه بينما هم خارج المدينة، مستمتعا بالصخب، رافضا التفكير في العواقب عندما يعود الاهل بعد 24 ساعة ..  

العالم مهتم أكثر بتدليل الإنسان الطبيعي بدلا من إخضاعه.

التغلب على العالم ليس غزوا للعالم بل معركة خاصة وشخصية تتطلب الاشتباك باليد الحرة مع خصومنا الباطنيين.

التغلب على العالم يعني تقدير أعظم وصية: ”أحب الرَّبَّ إلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلبِكَ، ومِنْ كُلِّ نَفسِكَ، ومِنْ كُلِّ فِكرِكَ، ومِنْ كُلِّ قُدرَتِكَ.“12

الكاتب المسيحي سي.  اس. لويس وصف ذلك كما يلي: ”المسيح يقول أعطني الكل. لا أريد قدرا من وقتك وقدرا من نقودك وقدرا من عملك: إنني أريدك أنت.“13

التغلب على العالم يعني حفظ وعودنا لله—عهود معموديتنا وعهود الهيكل وقسم الإخلاص لقريننا الأبدي. التغلب على العالم يقودنا باتضاع إلى مائدة القربان كل أسبوع طالبين المغفرة ومتعهدين بأن ”نذكره دوما ونحفظ وصاياه كي نحظى دوما بروحه رفيقا [لنا].“14

محبتنا للسبت لا تنتهي عندما تُوصد أبواب مبنى الاجتماع من ورائنا بل تفتح من أمامنا أبواب يوم جميل للراحة من الأعمال الروتينية، وللدراسة والصلاة والتواصل مع العائلة وآخرين ممن يحتاجون انتباهنا. وبدلا من تنفس الصعداء عند انتهاء الكنيسة، راكضين بجنون بحثا عن تلفاز قبل بدء مباراة كرة القدم، دعونا نبقي تركيزنا على المخلص في هذا اليوم المقدس.

العالم يفيض بالأصوات المغرية والمغوية. 15

التغلب على العالم هو الثقة بالصوت الوحيد الذي ينذر ويعزي وينير ويجلب السلام و”ليس كما يعطي العالم.“16

اللاأنانية

التغلب على العالم يعني خروجنا من ذاتنا متذكرين الوصية الثانية17: ”من كان الأعظم بينكم يكون خادمكم.“18 سعادة قريننا أهم من سعادتنا. مساعدة أبنائنا على محبة الله وحفظ وصاياه هي الأولوية الأهم. وأن نشارك بإرادتنا بركاتنا المادية من خلال العشور وعطايا الصوم وإعطاء المحتاجين. وحين تكون هوائياتنا الروحية موجهة إلى الأعالي فإن الرب يقودنا إلى من يمكننا مساعدتهم.

العالم يجعل من نفسه محور الكون ويعلن بكبرياء: ”انظروا إلي مقارنة بجاري! انظروا إلى ما أملكه! انظروا كم أنا مهم! “

العالم يُثار بسهولة، فاتر، كثير المطالب، يحب هتافات الجمهور، في حين أن التغلب على العالم يؤدي إلى التواضع والتعاطف والعطف على من يختلفون عنك.

الأمان في الانبياء

التغلب على العالم سيعني دوما بأننا سنؤمن ببعض المعتقدات التي سيسخر منها العالم. قال المخلص:

”إنْ كانَ العالَمُ يُبغِضُكُمْ فاعلَموا أنَّهُ قد أبغَضَني قَبلكُمْ.

” لو كنتُم مِنَ العالَمِ لكانَ العالَمُ يُحِبُّ خاصَّتَهُ.“19

قال الرئيس رسيل م. نيلسون هذا الصباح: ”إن تلاميذ يسوع المسيح الحقيقيين مستعدون للوقوف والتحدث، وأن يكونوا مختلفين عن شعوب العالم.“20

تلميذ المسيح لا يفزع إن لم يحصل على ألف إعجاب أو حتى ملصق إيموجي على منشور حول ديانته على الفيسبوك أو تويتر.

التغلب على العالم يعني اهتماما أقل بعلاقاتنا على الإنترنت والاهتمام أكثر بعلاقتنا السماوية مع الله.

يمنحنا الله الأمان عندما نتبع توجيهاته من خلال نبيه الحي ورسله.

صورة
الرئيس مونسون يتحدث

قال الرئيس توماس  س. مونسن: ”يمكن للعالم أن يكون صعبا. ... [بذهابنا إلى الهيكل]، ... سنصبح أكثر قدرة على تحمل كل تجربة. ... وسنتجدد ونتحصن.“21

بازدياد التجارب والملهيات فإن العالم يحاول خداع المؤمنين ليرفضوا التجارب الروحية الغنية من ماضيهم ويعيد تصنيفها على أنها خدع حمقاء.

التغلب على العالم هو التذكر، حتى عندما نكون محبطين، الأوقات التي شعرنا فيها بحب ونور المخلص. أوضح الشيخ نيل  ماكسويل إحدى هذه التجارب بالقول: ”لقد بوركت، وكنت أعلم أن الله كان يعلم أنني بوركت.“22 حتى وإن شعرنا مؤقتا بأننا منسيون، فإننا لا ننسى.

التغلب على العالم لا يعني أن نعيش حياة عزلة محميين من الظلم وصعاب الحياة. بل تعني نظرة أكثر انفتاحا على الإيمان تستقطبنا إلى المخلص ووعوده.

وفي حين أن الكمال لا يتحقق في هذه الحياة فإن التغلب على العالم يبقي جذوة رجائنا ملتهبة كي نتمكن في يوم ما من ”[الوقوف] أمام [فادينا]؛ [ورؤية] وجهه بابتهاج،“23 وسماع صوته يقول: ” تعالَوْا يا مُبارَكي أبي، رِثوا الملكوتَ المُعَدَّ لكُمْ.“24

مثال الشيخ بروس د. بورتر

في ٢٨ كانون أول/ ديسمبر  العام الماضي أنهى صديقنا العزيز، والسلطة العامة، الشيخ بروس  د. بورتر، رحلته الأرضية. كان في الرابعة والستين من العمر.

التقيت بروس لأول مرة عندما كنا طلابا في جامعة بريغهام يونغ. كأن أحد أفضل الطلاب وأذكاهم. بعد حصوله على شهادة الدكتوراة من جامعة هارفارد وتخصصه في الشؤون الروسية، أدت كتابات بروس شهرته بشكل كان يمكن أن يؤدي به إلى الانحراف، لكن الثروة ومديح العالم لم يُغشِ بصيرته.25 كان ولاؤه لمخلصه يسوع المسيح؛ ؛ولرفيقته الأبدية سوزان؛ ولأبنائه وأحفاده.

صورة
الشيخ بورتر

ولد بروس بمرض في الكلى. خضع لعملية جراحية لكن كليتيه واصلتا التدهور.

بعد فترة وجيزة من دعوته كسلطة عامة في عام ١٩٩٥ خدمنا سويا مع عائلتينا في فرانكفورت بألمانيا حيث ارتكز عمله على روسيا وأوروبا الشرقية.

تغيرت الحياة بالنسبة للشيخ بورتر بشكل جذري في عام ١٩٩٧ عندما بدأت كليتيه وصحته بالتدهور وعاد آل بورتر إلى مدينة سولت ليك.

خلال ٢٢ عاما من الخدمة في السبعين دخل بروس المستشفى عدة مرات بما في ذلك ١٠ عمليات جراحية. أخبر الأطباء سوزان في مناسبتين بأن بروس لن يرى نور الصباح ولكنه عاش.

لمدة ١٢ عاما خلال خدمته كسلطة عامة كان بروس يخضع لغسل الكلى خمس أمسيات في الأسبوع لأربع ساعات في كل مرة كي يتمكن من الخدمة في منصبه خلال النهار ويقبل مهمات لمؤتمرات في نهاية الأسبوع. احتار بروس عندما لم تتحسن صحته بعد عدة بركات كهنوتية لكنه كان يعرف بمن يثق.26

في ٢٠١٠ تلقى بروس كلية من ابنه ديفيد. هذه المرة لم يرفض جسده زراعة الكلية. كانت تلك معجزة جلبت له تجددا في الصحة مما سمح له أن يرجع مع زوجته سوزان بعد فترة إلى محبوبته روسيا كجزء من رئاسة المنطقة.

صورة
الشيخ بورتر والاخت سوزان في روسيا

في ٢٦ كانون أول/ ديسمبر  من السنة الماضية، بعد صراع مع التهابات مستمرة في مستشفى في مدينة سولت ليك، طلب من أطبائه أن يغادروا الغرفة. قال بروس لسوزان ”بأنه عرف من خلال الروح بأنه لن يكون بمقدور الأطباء عمل شيء لإنقاذ حياته. عرف ... بأن الآب السماوي سيأخذه إلى منزله فامتلأ سلاما.“27

في ٢٨ كانون أول/ ديسمبر  رجع بروس إلى منزله. بعد عدة ساعات، محاطا بأحبائه، عاد بسلام إلى منزله السماوي.

صورة
صورة الشيخ بروس د. بورتر

قبل عدة سنوات كتب بروس الكلمات التالية إلى أبنائه:

”الشهادة التي أملكها عن حقيقة ومحبة يسوع المسيح كانت بوصلة لحياتي. إنها شهادة نقية ملتهبة من الروح بأنه حي وبأنه فاديَّ وصديقي في كل أوقات الحاجة.“28

”تحدينا ... هو أن نتعرف على المخلص ومن خلال الإيمان به أن نتغلب على بلايا وتجارب هذه الدنيا.“29

”فلنكن صادقين ومخلصين ونثق به.“30

بروس دوغلاس بورتر غلب العالم.

ليتنا جميعا نبذل جهدا أكبر في محاولاتنا للتغلب على العالم ولا نستميح الأعذار لأخطائنا وفي نفس الوقت نصبر على عثراتنا وأخطائنا الثانوية، ونقوم بحماس بتسريع جهودنا وكرمنا في مساعدة الآخرين. وبثقتكم أكثر بالمخلص فإنني أعدكم ببركات سلام أعظم في هذه الحياة ويقينا أعظم بمصيركم الأبدي، باسم يسوع المسيح، آمين.